طباعة الصفحة

الأحد، 15 نوفمبر 2015

اقتصاد المعرفة

يعد " اقتصاد المعرفة " قسمًا جديدًا من فروع العلوم الاقتصادية ، ظهر في الآونة الأخيرة ، ويقوم على فهم جديد أكثر عمقاً لدور المعرفة ورأس المال البشري في تطور الاقتصاد وتقدم المجتمع. وهو قد يُخْتَزل في العبارة التالية: نشر وتكوين وتبادل المعرفة كنشاط اقتصادي "المعرفة كسلعة". المعرفة على مرّ العصور، وعلى مدار التاريخ، كانت دائمًا مصدر بناء الحضارات الإنسانية في كل زمان ومكان. ويكتسب العصر الذي نعيش فيه أهمية خاصة، غير مسبوقة، تزيد من أهمية المعرفة في حياة الإنسان. وتتمثل هذه الأهمية الخاصة بحقيقتين رئيستين.
· الحقيقة الأولى: التراكم المعرفي الإنساني. والمهارات والإمكانات التي نتجت عن هذا التراكم وأسفرت عن تحسين مستويات المعيشة وتحقيق الرفاهية للعديد من الدول التي أفلحت في تطويع تلك المعارف والمهارات بغرض زيادة مستويات إنتاجها المادي ثم الدخل.  فبتفعيل المعارف المُتراكمة، وتجديدها باستمرار ووضع النظم الفعالة للاستفادة منها، استطاعت أمم أن تتفوق على الأمم الأخرى في التقدم والتنمية، وبناء الإمكانات المُتجددة، واكتساب لقب الأمم المُتقدمة.
· أما الحقيقة الثانية فترتبط بتطور تقنيات المعلومات ونظم الاتصالات وتطبيقاتها، وانتشارها بتكاليف معقولة على نطاق واسع، وتفعيلها للتعامل مع المعرفة بيسر وسهولة وسرعة، بعيداً عن قيود الحدود، ومشقة المسافات. وقد فتحت هذه التقنيات أبواباً جديدة لانتشار المعرفة وفوائده، مكنت كثيراً من الدول الطامحة إلى التقدم من العمل على تقليص الفجوة التي تفصلها عن الدول المُتقدمة، ومن تطوير إمكاناتها الإنتاجية ومكانتها.
وهكذا فإن الاهتمام بالتقدم والتنمية في هذا العصر يقضي بضرورة الاهتمام بتفعيل المعارف التي نحتاجها لبناء إمكانات جديدة ومتجددة، والاستفادة من تقنيات المعلومات والاتصالات في هذا السبيل على أكمل وجه مُمكن، وصولاً إلى بناء اقتصاد معرفي يُحقق التنمية المُستدامة المنشودة، بوسائل جديدة، تخفض من الاعتماد على الموارد القابلة للنضوب مثل النفط وتضمن مُستقبلاً قابلاً للاستدامة لهذه الأمة.
بات مؤكداً الدور الذي يؤديه العلم والتكنولوجيا في تقدم الاقتصادات الناجحة والنامية على حد سواء. وقد كان لاقتصاد المعرفة دور في دعم النمو الاقتصادي العالمي، بدايةً من أواخر القرن الماضي هذا القرن. وأعيد تشكيل بيئة الأعمال بالتكنولوجيات الحديثة القائمة على المعلوماتية والمعرفة بدلاً من اعتمادها على التكنولوجيا ذات الطابع التقليدي.
وأصبحت المعرفة والمعلومات والمهارات المرتبطة بها مصدرًا للإنتاجية التنافسية. وبات النمو في الأعمال والصناعة يعتمد بصورة كبيرة على التكنولوجيا الحديثة. ولا نزال في سورية نخطو خطواتنا الأولى والبطيئة، للدخول إلى اقتصاد التكنولوجيا والمعلومات، وما زال التعليم والبحث العلمي لا يؤهلان للوصول إلى مثل هذا الاقتصاد.
إن مفهوم " المعرفة " ليس بالأمر الجديد بالطبع ، فالمعرفة رافقت الإنسان منذ أن تفتح وعيه ، وارتقت معه من مستوياتها البدائية مرافقة لاتساع مداركه وتعمقها حتى وصلت إلى ذراها الحالية ، إلا أن الجديد اليوم هو حجم تأثيرها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية وعلى نمو حياة الإنسان عموماً ، وذلك بفضل الثورة العلمية التقنية، فقد شهد الربع الأخير من القرن العشرين أعظم تغيير في حياة البشرية، ألا وهو التحول الثالث أو الثورة الثالثة، على حد تعبير الفن توفلر بعد الثورة الزراعية والثورة الصناعية وتمثّل بثورة العلوم والتقانة فائقة التطور في المجالات الإلكترونية والنووية والفيزيائية والبيولوجية والفضائية ..
وكان لثورة المعلومات والاتصالات دور الريادة في هذا التحول فهي مكنت الإنسان من فرض سيطرته على الطبيعة إلى حد أصبح عامل التطور المعرفي أكثر تأثيراً في الحياة من بين العوامل الأخرى المادية والطبيعية ، لقد باتت المعلومات مورداً أساسياً من الموارد الاقتصادية له خصوصيته بل أنها المورد الاستراتيجي الجديد في الحياة الاقتصادية ، المكمل للموارد الطبيعة .
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الباحثين قد شبه المعرفة بالنقود أو الإلكترون لا يمكن لصاحبها أن يشعر بقيمتها إلا إذا تحركت ، أنها المورد الوحيد الذي لا ينضب بل وعلى العكس من ذلك كما في خصائص مفهوم المعرفة يزداد حجمه باستمرار فيما لو أخضع للتشارك والمحاصصة ، وجاء في دراسة قدمت إلى مؤتمر التعليم العالي الذي عقد مؤخراً في دمشق ، تلجأ المؤسسات حالياً في سعيها لتنمية اقتصادها إلى وضع إستراتيجية تعليمية ضمن إطار ما يسمى باقتصاد المعرفة لنشر المعرفة داخلياً على كل المستويات الإفرادية والمجموعاتية ، وعلى مستوى المؤسسة ككل وذلك بهدف توليد مقدرات على صعيد تحقيق الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة وتحسين أدائها .
إن من المؤكد أن تطبيق إستراتيجية تعليمية في المؤسسة سيساعد المديرين في خلق عمليات جماعية وإفرادية تمكن من رفع مستوى جودة العمل ، وبالتالي توليد قيم إضافية لـه تزيد من الموارد المالية للمؤسسة ، وتشير الدراسة إلى تطور مفهوم الاقتصاد الجديد بحيث أصبح ينظر إليه كأسلوب جديد في المقاربات الاقتصادية ، وذلك في خضم الحدث عن تطور الاقتصاد كعلم لدرجة صار بعض الاقتصاديين يعتبر الاقتصاديات الحديثة منظومة تكيفية حركية، بدلاً مما كان ينظر إليها كمنظومات توازن مغلقة ومعقدة ولفترة طويلة ، أن أهم ما يميز الاقتصاد الجديد اعتماده على مصادر أخرى غير الطاقة وهي مصادر غير حسية كالمعرفة والمعلومات وإدارة المعرفة، لدرجة غدت عندها تلك المصادر غير الملموسة مجالاً رحباً للتنافس العالمي وأصبحت موضوعاً لمهن مستقبلية في إطار المنظومة الاقتصادية العامة فضلاً عن كونها مولداً فعلياً للثروة ، ويمكن وصف وضع الحالي للاقتصاد بأنه يقع في منتصف الطريق بين الاقتصاد التقليدي المتوازن المغلق القائم على الطاقة وبين الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة ، لعل البعض ومنهم عالم الإدارة الأميركي " بيتر دروكر " يرى أن العالم صار يتعامل فعلاً مع صناعات معرفية تكون الأفكار منتجاتها والبيانات موادها الأولية والعقل البشري أداتها ، إلى حد باتت المعرفة المكون الرئيس للنظام الاقتصادي والاجتماعي المعاصر.
من هذا المنطلق باتت البشرية على عتبة عصر جديد تلعب فيه إجراءات حقن الاختراعات في الاقتصاد وتقارب التقانة العالية دورًا مفتاحيًا في تسريع حركة المعرفة وضخها من أقنية العولمة الجارية حاليًا، في هذا السياق بزغت مفاهيم الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية التي تشكل المعرفة جوهرها والقوة المحركة الرئيسية فيها.
مقومات اقتصاد المعرفة:
الاقتصاد المبني على المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة لديه عدد معين من المقومات :
·    الابتكار: وهو نظام فعال من الروابط التجارية مع المؤسسات الأكاديمية وغيرها من المنظمات التي تستطيع مواكبة ثورة المعرفة المتنامية واستيعابها وتكييفها مع الاحتياجات المحلية
·    التعليم أساسي للإنتاجية والتنافسية الاقتصادية. يتعين على الحكومات أن توفر اليد العاملة الماهرة والإبداعية أو رأس المال البشري القادر على إدماج التقنيات الحديثة في العمل. وتنامي الحاجة إلى دمج تقنية المعلومات والاتصالات فضلا عن المهارات الإبداعية في المناهج التعليمية وبرامج التعلم مدى الحياة.
·    البنية التحتية المبنية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تسهل نشر وتجهيز المعلومات والمعارف وتكييفه مع الاحتياجات المحلية.
·    حوافز تقوم على أسس اقتصادية قوية تستطيع توفير كل الأطر القانونية والسياسية التي تهدف إلى زيادة الإنتاجية والنمو. وتشمل هذه السياسات التي تهدف إلى جعل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أكثر إتاحة ويسر، وتخفيض التعريفات الجمركية على منتجات تكنولوجيا وزيادة القدرة التنافسية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وعند وصف الاقتصاد العالمي الحالي يتكرر استخدام مصطلحين أساسيين هما : العولمة واقتصاد المعرفة.
لقد ظل العالم يشهد تزايد عولمة الشؤون الاقتصادية وذلك بسبب عدة عوامل من أهمها ثورة تقنية المعلومات والاتصالات، وكذلك التخفيف من القيود التجارية على المستويين الوطني والدولي. كما ظل العالم يشهد بالتوازي مع ذلك ً ارتفاعا حادًا في الكثافة المعرفية بالأنشطة الاقتصادية مدفوعاً بثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتسارع خطى التقدم التكنولوجي.
واقرأ أيضًا :

        اقتصاد المعرفة:
    
  من تنمية الاستثمار المعرفي إلى اقتصاد المعرفة
     اقتصاد المعرفة  من جوجل :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق